الثلاثاء، 23 أكتوبر 2012

مسودة الدستور المصري .. عندما يضحك أبو جهل من بين السطور !

تصفح وريقات الدستور الجديد .. تنقل بين صفحات الشجار ( الحوار سابقا ) ليرى ما هي ردود الأفعال .. أصوات عالية ..  وأصوات خجلى .. ولا علاقة للعلو ولا للخجل بدرجة الحق الذي عليه كل منهم .. فمن خيبة الأمل أن الكثير لا يعرف قدر ما يحمل ولا شرف ما يدافع عنه .

تأمل بعض الرؤوس التي طالما تنادت بالشريعة وهي تطأطئ الآن .. تسائل بداخله عن ماهية كلمة إسلامي ؟ .. هل هي اشتراك في نادي الملتحين العرب ؟ أم هي بطاقة انتساب لإحدى الجماعات الإسلامية ؟ أم هي حياة على كلمة التوحيد وبكلمة التوحيد ولكلمة التوحيد أو موت عليها ولها وبها ؟ .. لا يهم .. فعما قليل سيذهب الزبد جفاء وسيمكث في الأرض فقط ما ينفع الناس .. وحينها ستتضح المفاهيم أكثر وأكثر.
مبادئ ..أحكام .. لا مبادئ .. لا أحكام .. قطعية الثبوت .. ظنية الثبوت .. يكفينا هذا في هذا الوقت .. صلح الحديبية يا مشايخ ألا تفقهون السيرة ؟ .. ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك ... كلمات عدة تتطاير من صفحات العراك الإلكتروني ومن بينها قفز إلى رأسه رجل واحد .. نعم .. رجل على كفره .. لكنه رجل يفهم ما تعنيه الكلمة .. إنه فرعون هذه الأمة .. أبو جهل .



ما علاقة أبو جهل بالدستور الجديد .. مهلا .. لا أكفر أحد .. تمنيت قليلا لو تشاهدون أسطري بدون لحية حتى تحملوا الأمور على محملها وفقط .. ولكن تعالوا معي إلى الوراء .. في مشهد (فلاش باك ) على أسلوب الأفلام لنعرف ماذا كان من أبي جهل :
جاء في مسند أحمد في الحديث الذي صححه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله عن ابن عباس أنه قال :

لَمَّا مَرِضَ أبو طالبٍ دخل عليه رَهْطٌ من قُريشٍ منهم أبو جهلٍ فقالوا : يا أبا طالبٍ ابنُ أخيكَ يَشْتُمُ آلهتَنَا يقولُ ويقولُ ويفعلُ ويفعلُ فأَرْسِلْ إليهِ فانْهَه قال : فأَرْسَلَ إليهِ أبو طالبٍ وكان قُرْبَ أبي طالبٍ موضعُ رَجُلٍ فخَشِيَ إن دخلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على عَمِّهِ أن يكون أَرَقَّ له عليه فَوَثَبَ فجلسَ في ذلك المجلسِ فلمَّا دخل النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لم يجدْ مجلسًا إلا عندَ البابِ فجلسَ فقال أبو طالبٍ : يا ابنَ أَخِي إنَّ قومَك يشكُونَك يزعمونَ أنك تَشْتُمُ آلهتَهم وتقولُ وتقولُ وتفعلُ وتفعلُ فقال : يا عَمِّ إني إنَّما أُريدُهم على كلمةٍ واحدةٍ تَدِينُ لهم بها العَرَبُ وتُؤَدِّي إليهم بها العَجَمُ الجِزْيَةَ قالوا : وما هي نعم وأبيكَ عشرًا قال : لا إلهَ إلا اللهُ قال : فقاموا وهم ينفضون ثيابَهم وهم يقولونَ : { أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيٌء عُجَابٌ } قال : ثم قرأ حتى بلغ { لَمَّايَذُوقُوا عَذَابِ } 
دعونا نخرج من هذه القصة بنظرية أبي جهل في الكلمات ومدلولاتها .. وإنها على عجبها فأراها منطقية لأناس وإن كانوا كفارا فهم صادقون مع أنفسهم فيما يطلبون ولا يلبسون الحق بالباطل ويتخبطون بين الدروب.

إن أبا جهل على الرغم من أن حاله كحال باقي كفار قريش في هذا الزمن .. كانوا يؤمنون بربوبية الله كما أشارت بهذا الكثير من الآيات ومنها ما جاء في سورة لقمان وتحديد الآية (25) وقوله تعالى : ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون.

ومع هذا فإن أبا جهل أيضا كسائر كفار قريش كان يرفض أن يفرد الله بالإلوهية وأن يعبده وحده كما سبق في الحديث برغم من المكاسب التي ربما يعلم هو يقينا أنها ستحقق ولكنه يعلم ماذا يكلفه هذا .. أبو جهل فهم ما وراء هذه الكلمة الواحدة .. كم ستكلفه هذه الكلمة الواحده .. ماذا تكلفه كلمة أحكام بدلا من مبادئ .. عذرا .. أقصد ماذا تكلفه كلمة التوحيد.

نعم في البداية قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم : نعم وأبيك عشرا .. أي ليست كلمة بل عشر كلمات أيضا لو تريد لا كلمة واحدة .. ولكن لما سمعوا الكلمة فهموا .. فهموا أن الكلمات الواضحة التي تحمل بين طياتها عقيدة راسخة هي أكبر من مجرد حروف تتنقل على الألسنة إنها واقع سيتغير .. وأحلام ستتبدل .. ونفوس ستعاند .. وشهوات ستترك .. نعم فهمها أبو جهل وأصحابه .. وللأسف بين أظهرنا من لم يفهمها بعد .. عن الأحكام أم كلمة التوحيد أتحدث ؟ .. لا فارق فالأمر سيان .

انتهى عرض الفيلم التاريخي ونعود الآن لعرض الفيلم الكوميدي المأساوي في هذا الواقع الجديد .. ولنسأل سؤالا .. لماذا استمات الكثير من العلمانيون ورافضي فكرة حاكمية الشريعة بالكلية بل ومن اشتهروا بمواقفهم المعادية من شرع الله على وجود كلمة مبادئ لا كلمة أحكام أو حتى لفظة الشريعة مطلقة ؟ لماذا اتحد المتشاكسون الآن ؟

نعم .. إنهم فهموا ما فهمه أبو جهل .. فهموا أن الأمر أكبر من مجرد كلمة واحدة تحذف أو تبدل .. إنها ليست كلمة ستقال أو ستوضع للتزيين داخل الدستور الجديد .. بل هي كلمة حاكمة مهيمنة .. كلمة ستكون سيفا على رؤوس قوانين تفتح الباب على مصراعيه أمام فتن الشهوات والشبهات .. وحينها ستكسد بضاعتهم وتبور تجارتهم وهنا بيت القصيد .

وعلى الرغم من أن هذا واضح للعيان إلا أننا نجد البعض _ أقول البعض وليس الكثير على سبيل التفاؤل لا أكثر _ من أبناء التيار الإسلامي بل وبعض من يحسبون أنهم من قادته يرضون بهذا الدون والهوان تحت مسمى وزعم أنها كلمة وكأني بأبي جهل يكاد ينفجر ضحكا ولسان حاله يقول أظن أن هناك من هو أحق بلقبي مني .
للأسف الشديد فإن فهم أبي جهل لأهمية الكلمات المحورية غائب عن أذهان الكثير .. بل ومغيب عن عمد من واقع السياسة اليوم وعلى أيدي بعض من كان يحمل بالأمس القريب شعار : الإسلام هو الحل .

ولما غابت أهمية فهم الكلمة .. أو تعمد البعض تغييب هذا الفهم لمصلحة أو أخرى عن جماهير التيار الإسلامي .. رأينا أن من كان دستوره القرآن أصبح يرضي بأي شئ في دستوره .. ومن كان يرى أن الإسلام هو الحل لم يعد لديه مشكلة أن يكون الربا هو الحل .. ومن كان يتوعد اليهود في كل مناسبة هاتفا ( خيبر خيبر يا يهود .. جيش محمد سوف يعود ) .. أصبح يرى أن طمأنتهم وإعادة التعاون معهم أمر روتيني ولين الكلام بروتوكول مطلوب .. ولسان حال شبابهم ( لو حضرتك تقدر الأمور على بعضيها هتلاقي إن قدام فيه مبررات تبقى مبررة .. لكن مش مبررة ما فيش مبررات .. حضرتك قولي إيه الي مش مبرر .. مش مبررة ؟ .. لا مبررة ) مع الاعتذار لأحمد شفيق .

وعودة إلى موضوعنا فإن من هذا المنظور عزيزي القارئ أرجوك أن تتأمل معركة الدستور .. أن تعيد التفكير في الأمر وفق هذا المفهوم الخطير. أن تفهم استماتة وتجمع وتكالب كل من اشتهر بمعاداة الدين أو على أفضل حال عدم الاهتمام بحاكميته على أن تكون كلمة المبادئ هي أقصى ما يحلم به من يريد هذا الدين في بلادنا .. أن تستوعب أن كل هذا لأنهم أدركوا أن الأمر أكبر من مجرد كلمة .. الأمر قانون مختلف .. لا تجعلوا الأجيال القادمة تضحك من سذاجتنا .. بل لا تجعلوا أبناءنا كلما حاولوا قراءة الدستور الجديد يخيل إليهم أن أبا جهل يضحك علينا وعليهم ساخرا من بين السطور .



تجربة قديمة جديدة .. وبداية نرجوها سعيدة


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه عودة بعد سنين إلى المدونات الإلكترونية بعد تجربة قصيرة منذ بضع سنوات ولكل غياب سبب ولكل عودة سبب أيضا.
دعونا نتكلم عن سبب العودة فأقول :
إن الحاجة الملحة الآن لعرض بعض وجهات النظر لتوضيح بعض الأمور لم تعد من قبيل الطرف الفكري أو المباهاة بالبراعة في الكتابة _ إن وجدت _ وإنما قد تكون ضرورة ملحة في بعض الأحيان وفرض في أحيان أخرى إذا لم يعرض البعض ما تعرض خصوصا في عصر التباس المفاهيم واهتزاز الصفوف وغربة الدين حتى بين من كانوا يحسبون منذ سنين هم أهله وخاصته .

وأمام إلحاح بعض من أثق بهم على عرض الأفكار بشكل مفصل لا تحتمله تغريدات (تويتر) أو مناقشات فردية جانبية .. كانت هذه التجربة التي لا زال في النفس شئ منها ولكن نسأل الله السلامة والتيسير.

ومعذرة مقدما على غلق باب التعليقات فإني أفضل ذلك في البداية لعوامل كثيرة أهمها أن ما أعرضه بعض مما توصل إليه ذهني وليست المدونات مجالا للمناظرات الفكرية أو الدينية بل إن ذلك ربما أدى إلى تشوه الحق وضياع الفائدة وسط النقاش.



لذلك فأبدأ بحمد الله في هذه المدونة منذ اليوم وسأحاول أن أكتب بها بشكل منتظم كلما طرأت للذهن كلمات أحتاج أن يعرضها على الناس لعله ينتفع بها أحدهم ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه .



نسأل الله أن يجعل كل عملنا صالحا وأن يجعله لوجهه خالصا وألا يجعل لأحد غيره فيه شيئا