عام كامل مر على مجزرة محمد محمود .. وكالعادة جاء احتفالنا خاصا .. وخاص جدا
دماء جديدة تسيل على أرض الوطن .. لا تذهب بذهنك في اختلاف الأسباب بعيدا .. فالمحصلة واحدة .. دماء زكية تجري .. ولا فارق بين رصاص القناصة ورصاص الإهمال فكلاهما أول ما يغتال .. يغتال كرامة إنسان .
نعم إنها القضية المحورية التي تذبح في هذا الوطن منذ عشرات السنين بل ومئات السنين وظننا أننا نستطيع إنهائها في غمضة عين .. امتهان كرامة الإنسان .
إنها كرامة امتهنت حين فقأوا العيون في محمد محمود .. واستباحوا الأعراض في مجلس الوزراء .. واغتالوا الشباب في بورسعيد .. وصفوا حساباتهم في العباسية .. واجتالوا الزهور في أسيوط بإهمالهم.
لو تأملت الموقف مليا لوجدت أن من استرخص دماء شاب مصري يطالب بحرية بلاده من حكم عسكري مستبد لا يفرق عن الذي استرخص دماء أطفال أبرياء بالإهمال .. نفس النظرة الدونية إلى دماء كل من يحمل في بطاقة هويته أنه مصري برغم أن القاتل نفسه يحملها لكنه يظن أنه مصري ( بشرطة ) .
وحتى هؤلاء البراعم الذين لم يحملوا بعد بطاقة الهوية لم ينجو من براثن الامتهان وكأن مخالب ذلك الوحش الطبقي وأنيابه تتحرك ذاتيا نحو الدماء المصرية بلا احتياج إلى أي وسيلة مساعدة .
ربما هذا الكلام قد يبدوا غريبا لو قلناه بعد الثورة بأيام .. نعم إن ثورة العيش والحرية والعدالة الاجتماعية لم تستطع حتى هذه اللحظة أن تحقق أهم هدف جعل الجموع تهدر والبركان يغلي .. لم تستطع بعد أن تعلن أن المواطن المصري كائن له كرامة يستحق أن تحترم وتصان وتحفظ .
إن القابعين على الكراسي مهما تبدلت أشكالهم وأفكارهم لم يستطيعوا بعد أن يفهموا أن المواطن المصري ليس مجرد اسم في الدفتر ولا رقم جديد يتحرك على لوحة التعداد ولا بطاقة جديدة تستخرج في طابور تمتهن أيضا فيه الكرامة بشكل أو بآخر ..
إن كل من يموت على أرض هذا الوطن تحت براثن امتهان الكرامة سواء كان بالغاز أو بالخرطوش أو بالرصاص الحي أو بالقطار إنسان نابض بالحياة .. مساحات شاسعة من الأحلام والآمال .. طاقة متفجرة تحلم بغد مختلف .. انعاكسات مختلفة لأم تتحامل على أوجاعها يوميا لتصنع فرد .. لأب يقدم عمره قوتا لأولاده عن طيب خاطر منتظرا يوم الحصاد .
إنه همسة طفل صباحا لأمه وهو ذاهب إلى مدرسته طالبا بعض ما يحب من طعام ممنيا نفسه عند العودة بوجبة شهية .. حلم طفلة صغيرة أن تعود من يوم مدرسي مرهق لن يخلوا من استباحة الكرامة لتنتهي من واجبات لا آدمية بكتابة الرقم الفلاني مليون مرة .. وأخيرا تحصل على بعض النقود لتشتري بعض الحلوى وتلهو قليلا في لحظات سعادة وحرية تختلسها من براثن ذلك الامتهان ... أشياء على بساطتها تحمل كثير من السعادة لأطفال لم يحط التعقيد بعد رحاله في أسباب السعادة لديهم.
إنها نفس المعاني في الشاب الذي كان يتطلع ببصره إلى مستقبل الوطن .. فأضاعوا بصره .. وأضاعوا الوطن .. شاب كان يركض هاتفا من أجل أن يتمسك بآخر رايات الحلم .. فأردوه قتيلا وكفنوه في حلمه .. وبقيت دماؤه على الأسفلت ترفض أن تموت .
نعم .. الآن عدت أستشعر دماء محمد محمود في فمي .. أشم رائحة الغاز المقيتة .. أشاهد فوارغ ذخيرة ملقاة كأننا في معركة حربية .. أسترجع شريط ساعات وأيام من الكر والفر .. فما كان هذا كله إلا حين امتهنوا الإنسان واستباحوا كرامته .. وقطار الإهمال ورصاص الخرطوش أبناء سفاح لأب واحد وإن تعددت المتاجرات بأعراضهن .
ربما كان خطأنا يومها أننا هتفنا ( يسقط حكم العسكر) .. وكان ينبغي أن نهتم بالهدف ( تحيا كرامة الإنسان ) .. ونعليه شعار يسقط كل من يعاديه أو يقف في طريقه .. لكنها الحياة .. تعلمنا الدرس نفسه بأوجع الوسائل عندها .. ربما نحن نستحق ذلك .. لا أدري .. لكن ما أدريه أن القلب لم يعد لديه مساحة أخرى ليتوجع بها .
أما رئيس الجمهورية فأقول له .. أدرك نفسك .. قدامك تغوص في الدماء أكثر وأكثر .. والتبعات تزيد وتزيد .. والقوم يريدون حرقك شعبيا ليحرقك الشعب فعليا ويحترق معك أي خطوات حققتها الثورة .. إن كنت صادقا فاجمع حولك أولي العزم وأولى الخبرة لا أولي الثقة حتى لا تغرق السفينة بك وبمن تثق بهم وحينها لن يرحمك التاريخ .. ولا تستمع لمن يبرر لك كل مصيبة .. فأنت أعلم مني بخوف عمر من بغلة عثرت بالعراق أن يسئل عنها .. فما بالك بكرامة شعب عثرت في بئر من دماء زهور هذا الوطن .
أما رئيس الجمهورية فأقول له .. أدرك نفسك .. قدامك تغوص في الدماء أكثر وأكثر .. والتبعات تزيد وتزيد .. والقوم يريدون حرقك شعبيا ليحرقك الشعب فعليا ويحترق معك أي خطوات حققتها الثورة .. إن كنت صادقا فاجمع حولك أولي العزم وأولى الخبرة لا أولي الثقة حتى لا تغرق السفينة بك وبمن تثق بهم وحينها لن يرحمك التاريخ .. ولا تستمع لمن يبرر لك كل مصيبة .. فأنت أعلم مني بخوف عمر من بغلة عثرت بالعراق أن يسئل عنها .. فما بالك بكرامة شعب عثرت في بئر من دماء زهور هذا الوطن .
لا نريد تحقيقات فارغة ومسائلات بهدف إماتة الشعور .. فقط نريد إرجاع كرامة الإنسان وصيانتها في كل قرار يتخذ .. فأي سؤال سيوجه إلى وزارات الإهمال لن تختلف إجابته اليوم عن إجابة الأمس الباردة : ماعندناش قناصة !
ما بين دماء شباب محمد محمود ودماء أطفال أسيوط جسر طويل من امتهان كرامة الإنسان المصري .. سلب الذئاب في أوله البصر ولم يسلبوا البصيرة ..وفي آخره سلبوا الزهور ولن يسلبونا العبير بإذن الله .
إلى كل من لازال يحمل بين جنبيه قلب حر .. معركة الكرامة تستحق أكثر وإن تنصروا الله ينصركم .. فضمدوا جراح الوطن وابتلعوا آلامكم .. ولا تيأسوا .. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.