الثلاثاء، 18 ديسمبر 2012

فلا يحزنك قولهم .. طريق الهدوء المفقود!


14653

هجوم .. هجوم .. هجوم ..
هذا ما يلقاه كل إسلامي حينما يطالع وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها واتجاهاتها .. هجوم على التيار الإسلامي بصفة عامة وبالطبع يطوله هذا بصفة خاصة كإسلامي ( وهي كلمة لا أحبذها وإن حصرونا فيها ) .. وربما امتد الهجوم إلى شخصه وربما إلى شكله ومظهره وربما إلى أمه وأبيه أحيانا !
فإنه إذا طالع الصحف والجرائد وجد كم من الأخبار التي تلفق في أغلبها أو تصاغ بشكل يطمس الحقيقة هدفها فقط التشويه والهجوم على كل ما يحمل صبغة الإسلام .. فإذا ابتعد عن الأخبار وجد كل من أوتي عمودا للرأي ( ولسان حاله القاروني إنما أوتيته على علم عندي ) يأكل لحمه على أسلوب الضباع فربما سخر من شكله ووزنه  ( حدث بالفعل ) قبل شخصيته وأفعاله ثم ختم مقاله بعدم تفهم الإسلاميين الرجعيين للنقد البناء ! .. فإذا تحول منها إلى وسائل الإعلام وجد دينه ومنهجه وجبة على مائدة اللئام وياليتهم يتكلمون بحق فيقول لهم شاكرا : رحم الله امرئ أهدى إلى عيوبي وإنما أباطيل في غالبها تجعل الصدر يضيق والقلب يحزن .
وإذا جاء لشبكات التواصل الإجتماعي فإنه يلاقي الأمرين .. يبدأ الأمر باعتراض واختلاف في وجهات النظر مقبول .. ثم يمر بالحدة والعصبية عليه دائما ومحاولة تحميله كافة أخطاء البشرية من لدن آدم إلى الآن .. محاولات إرهاب فكرية كلما فتح فاه ليقول قال الله .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. لا تتحدث باسم الدين .. هذا فهم الأرضيين .. مادخل الدين بما نحن فيه ؟ .. إنتوا هتكفرونا ؟ .. وينتهى الحال أحيانا بسبه بأقذع الألفاظ وربما طال الأمر أباه وأمه .. وإنا لله وإنا إليه راجعون .
كل هذا كفيل بأن يضيق الصدرلملاقاته وأن يحزن القلب _ وهو في الغالب مراد هؤلاء من هذه الأساليب التي هي أبعد ما تكون عن النقد البناء أو اختلاف الرأي _ .. كفيل بأن يجعل القلب في حزن وكمد وغيظ .. ربما أخذ هذا الأمر منه وقته وأعصابه وشتت عليه قلبه .. فتفرق همه عند العمل .. وضاق صدره عند الكلام وثارت أعصابه لأقل شئ وربما مع ذلك فقد أبجديات أسلوب الدعوة أو حاد عن طريق الصراط تحت الضغوط الكبيرة .. ولكن .. ضمد الله كل هذه الجراح بآية !!
نعم .. آية واحدة من كتاب الله تضمد جراحك وأنت تقابل كل هذا الهجوم .. آية من الكتاب المعجز .. من كلام الله .. ومن أحسن من الله قيلا .
إنه الله القائل في كتابه :

( فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون )

يا الله .. بالله عليك تأمل الآية مرة أخرى .. مررها على قلبك .. تذوقها بحسك .. استشعر معناها العميق جدا .. إنها ربتة إلهية لفظية لطيفة على قلبك تقول لك ( فلا يحزنك قولهم ) .. هل استشعرت لطف الله بك وحبه لك في هذه الكلمات التي خاطب الله بها ابتداء نبيك الكريم صلى الله عليه وسلم ؟ .. هل تأملت فيض الود الرباني في هذه الكلمات المعجزة .. إنه الله .. يقول لك وسط هذا الصخب ووسط هذا الهجوم الضاري .. لا تحزن .. لا تبتئس .. لا تكتئب .. لا تنهزم أمام كل هذه المشاعر السلبية التي تصدر لك عن عمد .. وتأتي باقي الآية لتجيب على السؤال الذي قد يطرأ عليك .. وكيف لا أحزن أمام كل هذا ؟.
ولا تقل روعة باقى الآية وإعجازها عن أولها .. لا تحزن لأن الله يعلم ما يسرون ولا يعلنون .

لا تحزن فالعليم الخبير الحكيم يعلم كل هذا فاطمئن أن كل ما يجري يجرى لمقتضى حكمته ولشئ أراده ولأمور علمها عنده ومردها إليه .

لا تحزن فالجبار المنتقم يعلم كل هذا فاطمئن فإنه قادر على البطش بالظالمين والأخذ بهم وإنزال العقاب بهم وإن أمهلهم فترة من الزمان .

لا تحزن فالرحمن الرحيم يعلم كل هذا فاطمئن فرحمته ستشملك وستغمرك وستريحك من هذا العناء إذا أشبعت قلبك هذا الإيمان الجارف بمعيته وصحبته.

والأمر الأعظم أنه يعلم ما يسرون قبل ما يعلنون .. فهو يعلم ما خفي عليك أنت منهم وربما هو أخطر مما تعلم .. ومع ذلك فهو محيط به مطلع عليه .. إنها طمأنة ربانية كبرى أنك تركن إلى القوي العلي العظيم .. عالم الغيب والشهادة .. من أحاط بكل شئ علما .

بهذه الآية الواحدة فقط تضمد الجراح .. وتنسى كل الإساءات والانتقاصات ..بتذوق الكلمات .. بتدبرها .. باستشعار المعية الإلهية واللجوء إلى رب البرية .. حينها تجد هموم جراحات ما يحدثه في قلبك أهل الأرض تزول حينما يتصل هذا القلب بالسماء .. ينهل من وحي الله .. يستشعر مخاطبة الله له .. ويتأمل لطفه وكرمه .. فينطق لسان الحال والمقال .. إن لم يكن بك غضب على فلا أبالي .. إن لم يكن بك غضب على فلا أبالي .. لا أبالي .

هذا يقودنا إلى أصل مهم .. كم تعرض قلبك على القرآن ؟ .. كم تدخل إلى محراب الألفاظ الإلهية وتحتمي به ؟

إن مصدر الذعر الرئيسي والقلق والاضطراب الذي يصيبنا من الأحداث الجارية سببه أننا نعرض قلبنا على الأخبار والمناقشات والسجالات في وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها أكثر مما نعرضه على القرآن . والحل في ذلك ليس إلا بعكس الأمر وحينها سيتبدل الحال ويثبت القلب ويشرق نور الوحي في ظلام التيه .

يقول سيد قطب في مقدمة كتابه ( في ظلال القرآن ) :

" ومن ثم عشت - في ظلال القرآن - هادئ النفس ، مطمئن السريرة ، قرير الضمير . . عشت أرى يد الله في كل حادث وفي كل أمر . عشت في كنف الله وفي رعايته . عشت أستشعر إيجابية صفاته تعالى وفاعليتها . . أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ؟ . . وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير . . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون . . واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه . . فعال لما يريد . . ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه . إن الله بالغ أمره . . ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها . . أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه . . ومن يهن الله فما له من مكرم . . ومن يضلل الله فما له من هاد "

أخي الكريم .. أختي الكريمة .. عودوا إلى مصاحفكم .. فإن قلوبكم تبكي البعاد دما وإن لم تسمعوا البكاء ولم تروا الدموع !

السبت، 1 ديسمبر 2012

▧▧▧ دعوة وعتاب ▧▧▨ حتى لا نتوه وسط الزحام !

 
مرت أعوام كثيرة على بداية الصحوة الإسلامية في العالم العربي وفي مصر خصوصا والتي يرجع البعض بدايتها الحقيقة إلى فترة السبعينات .. أيقظت فيها الصحوة الدعوة الإسلامية من سباتها وحققت نجاحات مدوية لم يتخيلها المؤيدون لها قبل المعارضين وتجاوزت نطاق التوقعات في كثير من الأحيان.

ومع ثورات الربيع العربي برزت التيارات الإسلامية المكونة للصحوة على المشهد الإعلامي الرسمي بعد تغييب كثيره متعمد وقليله غير متعمد من وسائل الإعلام وأصبح البعض يتلمس ذلك العملاق الضخم الخارج لتوهه من كهف التغييب .

وفي خضم هذا كان شباب الدعوة الإسلامية مع فرصة ذهبية لتعريف الناس بالدين ومعانيه والشريعة فقد حررت الإرادة بعض الشئ وخفتت الاعتقالات المفاجئة وزيارات الفجر ورحلات ( السويد وسويسرا) وظن البعض أنها ماهي إلا شهور بل أيام وتنتشر الدعوة في كل أرجاء البلاد في مصر .. ولكن !!!

الخصومة كانت شديدة والصراعات كانت طاحنة وأمامها سحقت أهم معاني الدعوة التي يتحرك بها الداعية وهي الرغبة في هداية الناس ولو آذوه في نفسه وأهله وماله ولو سبوه ولو انتقصوا منه ولو كانوا أشد الناس عليه في كل حال ووقت .

لقد وجد شباب الدعوة أنفسهم وقد نفذ مخزون صبرهم أمام الهجوم المزعج الغير مبرر من بعض الكارهين على طول الخط للإسلام وبادلوهم الهجوم وامتلأت أنفسهم بالغضب والحنق أمام تلك الموجات المتلاحقة من الهجمات لا لشئ إلا أنهم يقولون ربي الله .. ورد كثير منهم الغضب بغضب والهجوم بالهجوم ونسوا أن بين الفريقين فريق يتابع الموقف ويرقب ولا يفهم ما يحدث من حقيقة الصراع ويحتاج أن نرجع إلى أهداف الدعوة وغرضها وهو هداية كل الخلق حتى يسمع ويفهم ويتأمل الحق الذي معنا .

دعونا نتأمل هذا الحديث الرائع بين المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ( تلميذ مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول المسلمين الأول إلى قائد الفرس ) وبين رستم قائد الفرس .. إنه الحوار التاريخي الذي لا يلقى نفس الشهرة التي يلقاها حوار الرسول الثاني إلى رستم ( ربعي بن عامر ) .. استمعوا إلى الكلمات جيدا وتأملوها فهي بحق منهج رباني لكل مسلم مجاهد داعية يعمل لهذا الدين :

روى الطبري في خبر مفاوضة المغيرة بن شعبه لرستم أنه لما عرض عليه رستم العروض المادية مقابل تخلي المسلمين عن القتال أجابه المغيرة :

" أتيناكم بأمر ربنا نجاهد في سبيله ، وننفذ لأمره , وننجز موعوده , وندعوكم إلى الإسلام وحكمه , فإن أجبتمونا تركناكم ورجعنا وخلفنا فيكم كتاب الله ، وإن أبيتم لم يحل لنا إلا أن نعاطيكم القتال أو تفتدوا نفوسكم بالجزية فإن فعلتم وإلا فإن الله أورثنا أرضكم وأبناءكم وأموالكم فاقبلوا نصيحتنا ، فوالله لإسلامكم أحب إلينا من غنائمكم ".

بهذه النفسية كان يتعامل المجاهدين من الصحابة مع الكفار بل والعتاة منهم . نعم لا نداهن في دين ربنا وننفذ أمره ونتحرك وفق شريعته ولكن وإن كنا نضمن العلو عليكم والظفر بموعود الله فإن إسلامكم أحب إلينا .. إنها كلمات تكتب بماء الذهب وتوضح ماهو هدف الداعية ومنهجه ماهو الشئ الذي يضعه نصب عينيه .

إننا الآن أصبحنا نرى العكس ضعف وتخاذل في جانب العقيدة وتنفيذ أمر الرب وتفريط مع الغير بدعوى التقارب والتوافق ولكن عند الظفر والنيل أصبحنا نسمع نعرات ( من أشد منا قوة ) و ( أيها النمل أدخلوا مساكنكم ) وانعكست الآية .. وبين تبدل المعاني ضاعت العقيدة وضاعت الدعوة عند الكثير إلا من رحم ربي .

إننا لا نلتفت أننا حين نرد على عتاة العلمانية أو الليبرالية أن هناك من يتبعونهم ولكنهم ليسوا مثلهم هناك من لا يفهم أصلا أن هناك أي تعارض بين ماهو عليه والدين هؤلاء الشباب والأتباع نحن نتحمل مسئوليتهم بشكل جزئي لأننا لم نستطع أن نوصل الدين لهم وأن نحبب الله إليهم ونوصل الشريعة إلى قلوبهم وعقولهم .

وبين الصراخ والهجوم علي الرؤوس تشحن الأتباع والمناصرين بالغضب ونستعدي الكثير بلا فائدة تجنى سوى تنفيث الغضب الداخلي وبعض الضغط النفسي الذي علينا ليل نهار وما هذا هو الصبر المطلوب على ألم الطريق ومشاق الدعوة إلى الله .

فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما لاقى في الطائف رفض أن يطبق الملك عليهم الجبال ويفنيهم لأنه كان ينظر إلى ما بعد إلى الأتباع والأجيال القادمة . لقد قالها جلية واضحة : " بل أرجو أن يخرجَ اللهُ من أصلابِهم من يعبدُ اللهَ وحدَه ، لا يشركُ به شيئًا".

بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلى الله عليك وسلم .. إنه منهج الداعية الذي تتلمسه في رسول الله دائما إنه مع ما عانى من اليهود ومن مكائدهم ودسائسهم التي لم تكن تنتهي في المدينة .. حينما أسلم الغلام اليهودي المريض قبل موته عندما أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشهادة حين قال له أباه : أطع أبا القاسم . قال رسول الله : "الحمد لله الذي أنقذ بي نسمة من النار".

وكل ما ذكرت هو منهج الرسول مع الكافرين فما بالكم ونحن نتعامل مع مسلمين في الأصل .. أي نتعامل مع إخوان لنا لهم حقوق علينا أكثر بكثير من غيرهم .

أيها الشباب .. إخواني وأخواتي .. ما دمتم تحملون هم هذا الدين والدعوة إليه فيجب أن يكون صبركم جميلا وطويلا .. تحركوا بنفسية رسول الله صلى الله عليه وسلم أعيدوا ترتيب المفاهيم والأولويات . إن رسول الله كان يغضب إذا انتهكت محارم الله ..فمع ما كان في أحد لما بدأ أبي سفيان يجترأ على العقيدة قال ألا تجيبوه ؟ .. لكنه في نفس الوقت كان إسلام الكفار أحب إليه وكان يتعامل بنفسية الداعية المحب لله الذي يريد أن يحبب الله إلى الناس .

إن كلامي ليس عن التعاملات الرقيقة أو التهاون أو التخاذل في دين الله بل إني أتكلم عن نفسية الداعية وعن نياته التي يجب أن تصحح داخلنا حتى لا تختلط المفاهيم .. فلا نتساهل في العقيدة والشريعة والدين ثم نهاجم ونغضب ونثور وقد نتعدى أحيانا لرد هجوم أو انتقاص وبهذا الميزان المقلوب تضيع معان وتتوه بشر ولا نحسن أن نعرض قضيتنا الحق على الناس .

وقد يقول قائل ولماذا اللوم علينا ؟ .. ألا ترى ما يفعلون ؟ ألا ترى الهجوم ؟ .. أقول نحن أصحاب رسالة ودعوة .. نصبر ونحتسب .. إن أرادوا ديننا أجبنا ورددنا بكل قوة وهدوء وأدب وبيننا للناس العقيدة بحق وعلمناهم بهدوء فما يريد هؤلاء إلى هذا الجو الصاخب المشحون حتى لا يسمع أحد ما نقول من الحق .. وربما ما يقولون هم من الباطل !

وإلى الأخوة والأخوات الرافضين للشريعة أو المختلفين مع إخوانهم من شباب التيار الإسلامي .. هلموا إلينا .. نسمع منكم وتسمعوا منا في جلسات هادئة بعيدا عن عراك وسائل التواصل الإجتماعي والعراك اللفظي عبر وسائل الإعلام .

ما المانع أن يجتمع الأخوة بالأخوة . والأخوات بالأخوات ويتبادلوا الكلام في النقاط الخلافية ونسمع لبعضنا البعض بعيدا عن صدام رؤوس وصراعات سياسية لا مكان فيها لعرض القضايا بشكل مفصل وبيان محكم وبراهين واضحة .

إنها دعوة أوجهها للجميع .. فما الظفر أريد على أحد سواء كان من داخل التيار الإسلامي أو من خارجه إنما أنا عبد الله .. أحبه .. وأحب أن يحبه الناس وأن يطيعوه وأن يمتثلوا أوامره .. واسأل الله أن يهدينا جميعا وأن يرنا الحق حقا ويرزقنا اتباعه وأن يرنا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه .