الثلاثاء، 18 ديسمبر 2012

فلا يحزنك قولهم .. طريق الهدوء المفقود!


14653

هجوم .. هجوم .. هجوم ..
هذا ما يلقاه كل إسلامي حينما يطالع وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها واتجاهاتها .. هجوم على التيار الإسلامي بصفة عامة وبالطبع يطوله هذا بصفة خاصة كإسلامي ( وهي كلمة لا أحبذها وإن حصرونا فيها ) .. وربما امتد الهجوم إلى شخصه وربما إلى شكله ومظهره وربما إلى أمه وأبيه أحيانا !
فإنه إذا طالع الصحف والجرائد وجد كم من الأخبار التي تلفق في أغلبها أو تصاغ بشكل يطمس الحقيقة هدفها فقط التشويه والهجوم على كل ما يحمل صبغة الإسلام .. فإذا ابتعد عن الأخبار وجد كل من أوتي عمودا للرأي ( ولسان حاله القاروني إنما أوتيته على علم عندي ) يأكل لحمه على أسلوب الضباع فربما سخر من شكله ووزنه  ( حدث بالفعل ) قبل شخصيته وأفعاله ثم ختم مقاله بعدم تفهم الإسلاميين الرجعيين للنقد البناء ! .. فإذا تحول منها إلى وسائل الإعلام وجد دينه ومنهجه وجبة على مائدة اللئام وياليتهم يتكلمون بحق فيقول لهم شاكرا : رحم الله امرئ أهدى إلى عيوبي وإنما أباطيل في غالبها تجعل الصدر يضيق والقلب يحزن .
وإذا جاء لشبكات التواصل الإجتماعي فإنه يلاقي الأمرين .. يبدأ الأمر باعتراض واختلاف في وجهات النظر مقبول .. ثم يمر بالحدة والعصبية عليه دائما ومحاولة تحميله كافة أخطاء البشرية من لدن آدم إلى الآن .. محاولات إرهاب فكرية كلما فتح فاه ليقول قال الله .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. لا تتحدث باسم الدين .. هذا فهم الأرضيين .. مادخل الدين بما نحن فيه ؟ .. إنتوا هتكفرونا ؟ .. وينتهى الحال أحيانا بسبه بأقذع الألفاظ وربما طال الأمر أباه وأمه .. وإنا لله وإنا إليه راجعون .
كل هذا كفيل بأن يضيق الصدرلملاقاته وأن يحزن القلب _ وهو في الغالب مراد هؤلاء من هذه الأساليب التي هي أبعد ما تكون عن النقد البناء أو اختلاف الرأي _ .. كفيل بأن يجعل القلب في حزن وكمد وغيظ .. ربما أخذ هذا الأمر منه وقته وأعصابه وشتت عليه قلبه .. فتفرق همه عند العمل .. وضاق صدره عند الكلام وثارت أعصابه لأقل شئ وربما مع ذلك فقد أبجديات أسلوب الدعوة أو حاد عن طريق الصراط تحت الضغوط الكبيرة .. ولكن .. ضمد الله كل هذه الجراح بآية !!
نعم .. آية واحدة من كتاب الله تضمد جراحك وأنت تقابل كل هذا الهجوم .. آية من الكتاب المعجز .. من كلام الله .. ومن أحسن من الله قيلا .
إنه الله القائل في كتابه :

( فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون )

يا الله .. بالله عليك تأمل الآية مرة أخرى .. مررها على قلبك .. تذوقها بحسك .. استشعر معناها العميق جدا .. إنها ربتة إلهية لفظية لطيفة على قلبك تقول لك ( فلا يحزنك قولهم ) .. هل استشعرت لطف الله بك وحبه لك في هذه الكلمات التي خاطب الله بها ابتداء نبيك الكريم صلى الله عليه وسلم ؟ .. هل تأملت فيض الود الرباني في هذه الكلمات المعجزة .. إنه الله .. يقول لك وسط هذا الصخب ووسط هذا الهجوم الضاري .. لا تحزن .. لا تبتئس .. لا تكتئب .. لا تنهزم أمام كل هذه المشاعر السلبية التي تصدر لك عن عمد .. وتأتي باقي الآية لتجيب على السؤال الذي قد يطرأ عليك .. وكيف لا أحزن أمام كل هذا ؟.
ولا تقل روعة باقى الآية وإعجازها عن أولها .. لا تحزن لأن الله يعلم ما يسرون ولا يعلنون .

لا تحزن فالعليم الخبير الحكيم يعلم كل هذا فاطمئن أن كل ما يجري يجرى لمقتضى حكمته ولشئ أراده ولأمور علمها عنده ومردها إليه .

لا تحزن فالجبار المنتقم يعلم كل هذا فاطمئن فإنه قادر على البطش بالظالمين والأخذ بهم وإنزال العقاب بهم وإن أمهلهم فترة من الزمان .

لا تحزن فالرحمن الرحيم يعلم كل هذا فاطمئن فرحمته ستشملك وستغمرك وستريحك من هذا العناء إذا أشبعت قلبك هذا الإيمان الجارف بمعيته وصحبته.

والأمر الأعظم أنه يعلم ما يسرون قبل ما يعلنون .. فهو يعلم ما خفي عليك أنت منهم وربما هو أخطر مما تعلم .. ومع ذلك فهو محيط به مطلع عليه .. إنها طمأنة ربانية كبرى أنك تركن إلى القوي العلي العظيم .. عالم الغيب والشهادة .. من أحاط بكل شئ علما .

بهذه الآية الواحدة فقط تضمد الجراح .. وتنسى كل الإساءات والانتقاصات ..بتذوق الكلمات .. بتدبرها .. باستشعار المعية الإلهية واللجوء إلى رب البرية .. حينها تجد هموم جراحات ما يحدثه في قلبك أهل الأرض تزول حينما يتصل هذا القلب بالسماء .. ينهل من وحي الله .. يستشعر مخاطبة الله له .. ويتأمل لطفه وكرمه .. فينطق لسان الحال والمقال .. إن لم يكن بك غضب على فلا أبالي .. إن لم يكن بك غضب على فلا أبالي .. لا أبالي .

هذا يقودنا إلى أصل مهم .. كم تعرض قلبك على القرآن ؟ .. كم تدخل إلى محراب الألفاظ الإلهية وتحتمي به ؟

إن مصدر الذعر الرئيسي والقلق والاضطراب الذي يصيبنا من الأحداث الجارية سببه أننا نعرض قلبنا على الأخبار والمناقشات والسجالات في وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها أكثر مما نعرضه على القرآن . والحل في ذلك ليس إلا بعكس الأمر وحينها سيتبدل الحال ويثبت القلب ويشرق نور الوحي في ظلام التيه .

يقول سيد قطب في مقدمة كتابه ( في ظلال القرآن ) :

" ومن ثم عشت - في ظلال القرآن - هادئ النفس ، مطمئن السريرة ، قرير الضمير . . عشت أرى يد الله في كل حادث وفي كل أمر . عشت في كنف الله وفي رعايته . عشت أستشعر إيجابية صفاته تعالى وفاعليتها . . أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ؟ . . وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير . . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون . . واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه . . فعال لما يريد . . ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه . إن الله بالغ أمره . . ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها . . أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه . . ومن يهن الله فما له من مكرم . . ومن يضلل الله فما له من هاد "

أخي الكريم .. أختي الكريمة .. عودوا إلى مصاحفكم .. فإن قلوبكم تبكي البعاد دما وإن لم تسمعوا البكاء ولم تروا الدموع !

السبت، 1 ديسمبر 2012

▧▧▧ دعوة وعتاب ▧▧▨ حتى لا نتوه وسط الزحام !

 
مرت أعوام كثيرة على بداية الصحوة الإسلامية في العالم العربي وفي مصر خصوصا والتي يرجع البعض بدايتها الحقيقة إلى فترة السبعينات .. أيقظت فيها الصحوة الدعوة الإسلامية من سباتها وحققت نجاحات مدوية لم يتخيلها المؤيدون لها قبل المعارضين وتجاوزت نطاق التوقعات في كثير من الأحيان.

ومع ثورات الربيع العربي برزت التيارات الإسلامية المكونة للصحوة على المشهد الإعلامي الرسمي بعد تغييب كثيره متعمد وقليله غير متعمد من وسائل الإعلام وأصبح البعض يتلمس ذلك العملاق الضخم الخارج لتوهه من كهف التغييب .

وفي خضم هذا كان شباب الدعوة الإسلامية مع فرصة ذهبية لتعريف الناس بالدين ومعانيه والشريعة فقد حررت الإرادة بعض الشئ وخفتت الاعتقالات المفاجئة وزيارات الفجر ورحلات ( السويد وسويسرا) وظن البعض أنها ماهي إلا شهور بل أيام وتنتشر الدعوة في كل أرجاء البلاد في مصر .. ولكن !!!

الخصومة كانت شديدة والصراعات كانت طاحنة وأمامها سحقت أهم معاني الدعوة التي يتحرك بها الداعية وهي الرغبة في هداية الناس ولو آذوه في نفسه وأهله وماله ولو سبوه ولو انتقصوا منه ولو كانوا أشد الناس عليه في كل حال ووقت .

لقد وجد شباب الدعوة أنفسهم وقد نفذ مخزون صبرهم أمام الهجوم المزعج الغير مبرر من بعض الكارهين على طول الخط للإسلام وبادلوهم الهجوم وامتلأت أنفسهم بالغضب والحنق أمام تلك الموجات المتلاحقة من الهجمات لا لشئ إلا أنهم يقولون ربي الله .. ورد كثير منهم الغضب بغضب والهجوم بالهجوم ونسوا أن بين الفريقين فريق يتابع الموقف ويرقب ولا يفهم ما يحدث من حقيقة الصراع ويحتاج أن نرجع إلى أهداف الدعوة وغرضها وهو هداية كل الخلق حتى يسمع ويفهم ويتأمل الحق الذي معنا .

دعونا نتأمل هذا الحديث الرائع بين المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ( تلميذ مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول المسلمين الأول إلى قائد الفرس ) وبين رستم قائد الفرس .. إنه الحوار التاريخي الذي لا يلقى نفس الشهرة التي يلقاها حوار الرسول الثاني إلى رستم ( ربعي بن عامر ) .. استمعوا إلى الكلمات جيدا وتأملوها فهي بحق منهج رباني لكل مسلم مجاهد داعية يعمل لهذا الدين :

روى الطبري في خبر مفاوضة المغيرة بن شعبه لرستم أنه لما عرض عليه رستم العروض المادية مقابل تخلي المسلمين عن القتال أجابه المغيرة :

" أتيناكم بأمر ربنا نجاهد في سبيله ، وننفذ لأمره , وننجز موعوده , وندعوكم إلى الإسلام وحكمه , فإن أجبتمونا تركناكم ورجعنا وخلفنا فيكم كتاب الله ، وإن أبيتم لم يحل لنا إلا أن نعاطيكم القتال أو تفتدوا نفوسكم بالجزية فإن فعلتم وإلا فإن الله أورثنا أرضكم وأبناءكم وأموالكم فاقبلوا نصيحتنا ، فوالله لإسلامكم أحب إلينا من غنائمكم ".

بهذه النفسية كان يتعامل المجاهدين من الصحابة مع الكفار بل والعتاة منهم . نعم لا نداهن في دين ربنا وننفذ أمره ونتحرك وفق شريعته ولكن وإن كنا نضمن العلو عليكم والظفر بموعود الله فإن إسلامكم أحب إلينا .. إنها كلمات تكتب بماء الذهب وتوضح ماهو هدف الداعية ومنهجه ماهو الشئ الذي يضعه نصب عينيه .

إننا الآن أصبحنا نرى العكس ضعف وتخاذل في جانب العقيدة وتنفيذ أمر الرب وتفريط مع الغير بدعوى التقارب والتوافق ولكن عند الظفر والنيل أصبحنا نسمع نعرات ( من أشد منا قوة ) و ( أيها النمل أدخلوا مساكنكم ) وانعكست الآية .. وبين تبدل المعاني ضاعت العقيدة وضاعت الدعوة عند الكثير إلا من رحم ربي .

إننا لا نلتفت أننا حين نرد على عتاة العلمانية أو الليبرالية أن هناك من يتبعونهم ولكنهم ليسوا مثلهم هناك من لا يفهم أصلا أن هناك أي تعارض بين ماهو عليه والدين هؤلاء الشباب والأتباع نحن نتحمل مسئوليتهم بشكل جزئي لأننا لم نستطع أن نوصل الدين لهم وأن نحبب الله إليهم ونوصل الشريعة إلى قلوبهم وعقولهم .

وبين الصراخ والهجوم علي الرؤوس تشحن الأتباع والمناصرين بالغضب ونستعدي الكثير بلا فائدة تجنى سوى تنفيث الغضب الداخلي وبعض الضغط النفسي الذي علينا ليل نهار وما هذا هو الصبر المطلوب على ألم الطريق ومشاق الدعوة إلى الله .

فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما لاقى في الطائف رفض أن يطبق الملك عليهم الجبال ويفنيهم لأنه كان ينظر إلى ما بعد إلى الأتباع والأجيال القادمة . لقد قالها جلية واضحة : " بل أرجو أن يخرجَ اللهُ من أصلابِهم من يعبدُ اللهَ وحدَه ، لا يشركُ به شيئًا".

بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلى الله عليك وسلم .. إنه منهج الداعية الذي تتلمسه في رسول الله دائما إنه مع ما عانى من اليهود ومن مكائدهم ودسائسهم التي لم تكن تنتهي في المدينة .. حينما أسلم الغلام اليهودي المريض قبل موته عندما أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشهادة حين قال له أباه : أطع أبا القاسم . قال رسول الله : "الحمد لله الذي أنقذ بي نسمة من النار".

وكل ما ذكرت هو منهج الرسول مع الكافرين فما بالكم ونحن نتعامل مع مسلمين في الأصل .. أي نتعامل مع إخوان لنا لهم حقوق علينا أكثر بكثير من غيرهم .

أيها الشباب .. إخواني وأخواتي .. ما دمتم تحملون هم هذا الدين والدعوة إليه فيجب أن يكون صبركم جميلا وطويلا .. تحركوا بنفسية رسول الله صلى الله عليه وسلم أعيدوا ترتيب المفاهيم والأولويات . إن رسول الله كان يغضب إذا انتهكت محارم الله ..فمع ما كان في أحد لما بدأ أبي سفيان يجترأ على العقيدة قال ألا تجيبوه ؟ .. لكنه في نفس الوقت كان إسلام الكفار أحب إليه وكان يتعامل بنفسية الداعية المحب لله الذي يريد أن يحبب الله إلى الناس .

إن كلامي ليس عن التعاملات الرقيقة أو التهاون أو التخاذل في دين الله بل إني أتكلم عن نفسية الداعية وعن نياته التي يجب أن تصحح داخلنا حتى لا تختلط المفاهيم .. فلا نتساهل في العقيدة والشريعة والدين ثم نهاجم ونغضب ونثور وقد نتعدى أحيانا لرد هجوم أو انتقاص وبهذا الميزان المقلوب تضيع معان وتتوه بشر ولا نحسن أن نعرض قضيتنا الحق على الناس .

وقد يقول قائل ولماذا اللوم علينا ؟ .. ألا ترى ما يفعلون ؟ ألا ترى الهجوم ؟ .. أقول نحن أصحاب رسالة ودعوة .. نصبر ونحتسب .. إن أرادوا ديننا أجبنا ورددنا بكل قوة وهدوء وأدب وبيننا للناس العقيدة بحق وعلمناهم بهدوء فما يريد هؤلاء إلى هذا الجو الصاخب المشحون حتى لا يسمع أحد ما نقول من الحق .. وربما ما يقولون هم من الباطل !

وإلى الأخوة والأخوات الرافضين للشريعة أو المختلفين مع إخوانهم من شباب التيار الإسلامي .. هلموا إلينا .. نسمع منكم وتسمعوا منا في جلسات هادئة بعيدا عن عراك وسائل التواصل الإجتماعي والعراك اللفظي عبر وسائل الإعلام .

ما المانع أن يجتمع الأخوة بالأخوة . والأخوات بالأخوات ويتبادلوا الكلام في النقاط الخلافية ونسمع لبعضنا البعض بعيدا عن صدام رؤوس وصراعات سياسية لا مكان فيها لعرض القضايا بشكل مفصل وبيان محكم وبراهين واضحة .

إنها دعوة أوجهها للجميع .. فما الظفر أريد على أحد سواء كان من داخل التيار الإسلامي أو من خارجه إنما أنا عبد الله .. أحبه .. وأحب أن يحبه الناس وأن يطيعوه وأن يمتثلوا أوامره .. واسأل الله أن يهدينا جميعا وأن يرنا الحق حقا ويرزقنا اتباعه وأن يرنا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه .

الجمعة، 23 نوفمبر 2012

۩۩ رسالة قرآنية ۩۩ لأطراف معركة الشريعة الدستورية


manartsouria.com-004e8b1197

لقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ (48) وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لّا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (54) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) (سورة النور)

الأحد، 18 نوفمبر 2012

▌ ▒ بين محمد محمود وأطفال أسيوط .. ► ذئاب ودماء◄ ▒▌

 
1276

عام كامل مر على مجزرة محمد محمود .. وكالعادة جاء احتفالنا خاصا .. وخاص جدا
دماء جديدة تسيل على أرض الوطن .. لا تذهب بذهنك في اختلاف الأسباب بعيدا .. فالمحصلة واحدة .. دماء زكية تجري .. ولا فارق بين رصاص القناصة ورصاص الإهمال فكلاهما أول ما يغتال .. يغتال كرامة إنسان .

نعم إنها القضية المحورية التي تذبح في هذا الوطن منذ عشرات السنين بل ومئات السنين وظننا أننا نستطيع إنهائها في غمضة عين .. امتهان كرامة الإنسان .

إنها كرامة امتهنت حين فقأوا العيون في محمد محمود .. واستباحوا الأعراض في مجلس الوزراء .. واغتالوا الشباب في بورسعيد .. وصفوا حساباتهم في العباسية .. واجتالوا الزهور في أسيوط بإهمالهم.

لو تأملت الموقف مليا لوجدت أن من استرخص دماء شاب مصري يطالب بحرية بلاده من حكم عسكري مستبد لا يفرق عن الذي استرخص دماء أطفال أبرياء بالإهمال .. نفس النظرة الدونية إلى دماء كل من يحمل في بطاقة هويته أنه مصري برغم أن القاتل نفسه يحملها لكنه يظن أنه مصري ( بشرطة ) .

وحتى هؤلاء البراعم الذين لم يحملوا بعد بطاقة الهوية لم ينجو من براثن الامتهان وكأن مخالب ذلك الوحش الطبقي وأنيابه تتحرك ذاتيا نحو الدماء المصرية بلا احتياج إلى أي وسيلة مساعدة .

ربما هذا الكلام قد يبدوا غريبا لو قلناه بعد الثورة بأيام .. نعم إن ثورة العيش والحرية والعدالة الاجتماعية لم تستطع حتى هذه اللحظة أن تحقق أهم هدف جعل الجموع تهدر والبركان يغلي .. لم تستطع بعد أن تعلن أن المواطن المصري كائن له كرامة يستحق أن تحترم وتصان وتحفظ .

إن القابعين على الكراسي مهما تبدلت أشكالهم وأفكارهم لم يستطيعوا بعد أن يفهموا أن المواطن المصري ليس مجرد اسم في الدفتر ولا رقم جديد يتحرك على لوحة التعداد ولا بطاقة جديدة تستخرج في طابور تمتهن أيضا فيه الكرامة بشكل أو بآخر ..

إن كل من يموت على أرض هذا الوطن تحت براثن امتهان الكرامة سواء كان بالغاز أو بالخرطوش أو بالرصاص الحي أو بالقطار إنسان نابض بالحياة .. مساحات شاسعة من الأحلام والآمال .. طاقة متفجرة تحلم بغد مختلف .. انعاكسات مختلفة لأم تتحامل على أوجاعها يوميا لتصنع فرد .. لأب يقدم عمره قوتا لأولاده عن طيب خاطر منتظرا يوم الحصاد .

إنه همسة طفل صباحا لأمه وهو ذاهب إلى مدرسته طالبا بعض ما يحب من طعام ممنيا نفسه عند العودة بوجبة شهية .. حلم طفلة صغيرة أن تعود من يوم مدرسي مرهق لن يخلوا من استباحة الكرامة لتنتهي من واجبات لا آدمية بكتابة الرقم الفلاني مليون مرة .. وأخيرا تحصل على بعض النقود لتشتري بعض الحلوى وتلهو قليلا في لحظات سعادة وحرية تختلسها من براثن ذلك الامتهان ... أشياء على بساطتها تحمل كثير من السعادة لأطفال لم يحط التعقيد بعد رحاله في أسباب السعادة لديهم.

إنها نفس المعاني في الشاب الذي كان يتطلع ببصره إلى مستقبل الوطن .. فأضاعوا بصره .. وأضاعوا الوطن .. شاب كان يركض هاتفا من أجل أن يتمسك بآخر رايات الحلم .. فأردوه قتيلا وكفنوه في حلمه .. وبقيت دماؤه على الأسفلت ترفض أن تموت .

نعم .. الآن عدت أستشعر دماء محمد محمود في فمي .. أشم رائحة الغاز المقيتة .. أشاهد فوارغ ذخيرة ملقاة كأننا في معركة حربية .. أسترجع شريط ساعات وأيام من الكر والفر .. فما كان هذا كله إلا حين امتهنوا الإنسان واستباحوا كرامته .. وقطار الإهمال ورصاص الخرطوش أبناء سفاح لأب واحد وإن تعددت المتاجرات بأعراضهن .

ربما كان خطأنا يومها أننا هتفنا ( يسقط حكم العسكر) .. وكان ينبغي أن نهتم بالهدف   ( تحيا كرامة الإنسان ) .. ونعليه شعار يسقط كل من يعاديه أو يقف في طريقه .. لكنها الحياة .. تعلمنا الدرس نفسه بأوجع الوسائل عندها .. ربما نحن نستحق ذلك .. لا أدري .. لكن ما أدريه أن القلب لم يعد لديه مساحة أخرى ليتوجع بها .

أما رئيس الجمهورية فأقول له .. أدرك نفسك .. قدامك تغوص في الدماء أكثر وأكثر .. والتبعات تزيد وتزيد .. والقوم يريدون حرقك شعبيا ليحرقك الشعب فعليا ويحترق معك أي خطوات حققتها الثورة .. إن كنت صادقا فاجمع حولك أولي العزم وأولى الخبرة لا أولي الثقة حتى لا تغرق السفينة بك وبمن تثق بهم وحينها لن يرحمك التاريخ .. ولا تستمع لمن يبرر لك كل مصيبة .. فأنت أعلم مني بخوف عمر من بغلة عثرت بالعراق أن يسئل عنها .. فما بالك بكرامة شعب عثرت في بئر من دماء زهور هذا الوطن .

لا نريد تحقيقات فارغة ومسائلات بهدف إماتة الشعور .. فقط نريد إرجاع كرامة الإنسان وصيانتها في كل قرار يتخذ .. فأي سؤال سيوجه إلى وزارات الإهمال لن تختلف إجابته اليوم عن إجابة الأمس الباردة : ماعندناش قناصة !

ما بين دماء شباب محمد محمود ودماء أطفال أسيوط جسر طويل من امتهان كرامة الإنسان المصري .. سلب الذئاب في أوله البصر ولم يسلبوا البصيرة ..وفي آخره سلبوا الزهور ولن يسلبونا العبير بإذن الله .

إلى كل من لازال يحمل بين جنبيه قلب حر .. معركة الكرامة تستحق أكثر وإن تنصروا الله ينصركم .. فضمدوا جراح الوطن وابتلعوا آلامكم .. ولا تيأسوا .. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

السبت، 10 نوفمبر 2012

الآن أراه

 

drama[5]

الآن أراه ..

الآن ألملم من عينيه بقايا آساه..

فوق الشفتين ..

تتعثر بعض الكلمات

تتوارى هربا في عينيه..

بلا أصوات.

والحزن يجاوز بعض مداه ..

وأخيرا ..

الآن أراه.

***********

الآن أراه..

أتأمل بعضا من معناه ..

جسد مفقود من سنوات ..

حي يقتات على الأموات ..

موت يحياه ..

ووجود صامت أفناه ..

حلم و كسير ..

والبصر حسير ..

والغمض يجافي جفناه ..

والعمر يمر على جسده ..

يتلعثم في بعض الخطوات .

ويلملم بعضه .. ويعجل ..

ويسافر في كل الأوقات

كسفين يبحث عن مرساه.

والكون مداه .

وبكل مرارة هذا الكون تيقنت..

إني بعيناه ..

الآن أراه .

***********

الآن أراه ..

وأجمع فوق خريطة حلم بقاياه ..

أنثرها في صمت محزون ..

فوق جراحات مفتوحة ..

أتخلص منه في نفسه ..

أنطق كلماته المبحوحة .

أنهي المأساة .

أنثر في كله بعض حياة

وأخيرا..

ما عدت أراه ..

في المرآه !!

الأحد، 4 نوفمبر 2012

زفرات مهموم (1)


  

- كلما طالعت القرآن الذي يحفظه الرئيس مرسي كاملا وتتباهى بذلك جماعته في كل المحافل وجدت فيه ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون – ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون – ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) .. لكنني صدقا لم أجد ومن لم يحكم ب (مبادئما أنزل الله.

- الدكتور عبد الرحمن البر ( مفتى الإخوان ) أنفق من وقته الكثير ليشرح أن كلمة مبادئ الشريعة أفضل من كلمة الشريعة .. دكتور عبد الرحمن ( إذا بُليتم فاستتروا ).

- سنة ونصف والجيش المصري مرهق في طول البلاد وعرضها في عمليات التأمين والتفكير في احتمالية وجود حادث على الحدود كان بمثابة قلق دائم وحينما عاد لثكناته بدأت العمليات في سيناء والتحركات والتفجيرات .. إما أن هذه الجماعات التي تنسب إليها العمليات (غاوية وجع قلب وما بتحبش تعمل حاجة غير لما تبقى صعبة) .. وإما أن الأمر مسرحية كبرى وحادث منشية جديد ولكن بنكهة إسلامية .

 - تمنيت لو اهتم الرئيس وجماعته بطمأنة المواطن العادي البسيط في الشارع على ما يقلقه أكثر من طمأنة التيارات السياسية الكارتونية في أغلبها على أفكار ربما هي بالنسبة لهم كصنم العجوة قد يأكلونه غدا إذا جاعوا.

- حقا وليس من باب التهكم أود أن أسأل مكتب الإرشاد  : (الإسلام هو الحل ) .. إذا كنتم تؤمنون حقا بهذه العبارة فلماذا دائما تنحون الإسلام عند ورود المشاكل التي تحتاج إلى حل ؟

- نشر موقع صوت السلف ( الخاص بالشيخ ياسر برهامي ) موقف ممثلي الدعوة وحزب النور في التأسيسية والسجالات والوعود التي هي عبارة عن تنازلات في قضية لا تخصهم بمفردهم .. إنها تنازلات من لا يملك لمن لا يستحق.

- لن يعرف لنفسه عيب ولن يدرك أن بين أعماله ذنب من أعتاد تبرير كل شئ .

- إلى جميع قيادات التيارات الإسلامية : (إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله) .. والمعنى في بطن الشاعر.

- قضية حاكمية الشريعة ليست قضية شخصية .. وليست قضية فصيل سياسي أو تيار إسلامي .. وإنما هي قضية محورية في إيمان العبد .. قادحة فيه بصريح نص القرآن في أكثر من موضع .. ولن تصل هذه القضية إلى طريق التمكين مالم ينقلها الثابتون عليها إلى الناس لتكون قضية شعبية وينقلوا الناس من مقاعد المتفرجين على الصراع إلى أطراف تصارع من أجل عقيدتها.

- القول بعدم وجوب حاكمية الشريعة في الدستور بدعوى عدم القدرة على تطبيقها الآن أو وجود أقلية غير مسلمة كالقول بإسقاط فرضية الزكاة عن عموم المسلمين لأن فيهم فقراء لا يستطيعون دفعها .. أفلا تعقلون ؟

- النهضة إرادة شعب .. والشريعة إرادة الله .. ولن تقوم نهضة بغير إرادة الله .. ولن نعذر كشعب أمامه إن لم تكن الشريعة إرادتنا .. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

- من لم ينصر الإسلام وسيلة فلن ينصره غاية .. ولن ينصر الدين بترك الدين .. ولن تقام الشريعة بنقض الشريعة .

- أخي المستمسك بدينه .. أختي القابضة على الجمر .. دعوا عنكم تطبيل وتدجيل وتبرير القطعان و تذكروا كلام ربك : واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون.

- أخي المسلم الثابت على منهجه .. إذا ما جاءك أهل الباطل بسحر التلون والتزيين فألق عصا الحق والثبات فإذا هي تلقف ما يأفكون .. حينها سيقع الحق ويبطل ما كانوا يعملون.









الثلاثاء، 23 أكتوبر 2012

مسودة الدستور المصري .. عندما يضحك أبو جهل من بين السطور !

تصفح وريقات الدستور الجديد .. تنقل بين صفحات الشجار ( الحوار سابقا ) ليرى ما هي ردود الأفعال .. أصوات عالية ..  وأصوات خجلى .. ولا علاقة للعلو ولا للخجل بدرجة الحق الذي عليه كل منهم .. فمن خيبة الأمل أن الكثير لا يعرف قدر ما يحمل ولا شرف ما يدافع عنه .

تأمل بعض الرؤوس التي طالما تنادت بالشريعة وهي تطأطئ الآن .. تسائل بداخله عن ماهية كلمة إسلامي ؟ .. هل هي اشتراك في نادي الملتحين العرب ؟ أم هي بطاقة انتساب لإحدى الجماعات الإسلامية ؟ أم هي حياة على كلمة التوحيد وبكلمة التوحيد ولكلمة التوحيد أو موت عليها ولها وبها ؟ .. لا يهم .. فعما قليل سيذهب الزبد جفاء وسيمكث في الأرض فقط ما ينفع الناس .. وحينها ستتضح المفاهيم أكثر وأكثر.
مبادئ ..أحكام .. لا مبادئ .. لا أحكام .. قطعية الثبوت .. ظنية الثبوت .. يكفينا هذا في هذا الوقت .. صلح الحديبية يا مشايخ ألا تفقهون السيرة ؟ .. ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك ... كلمات عدة تتطاير من صفحات العراك الإلكتروني ومن بينها قفز إلى رأسه رجل واحد .. نعم .. رجل على كفره .. لكنه رجل يفهم ما تعنيه الكلمة .. إنه فرعون هذه الأمة .. أبو جهل .



ما علاقة أبو جهل بالدستور الجديد .. مهلا .. لا أكفر أحد .. تمنيت قليلا لو تشاهدون أسطري بدون لحية حتى تحملوا الأمور على محملها وفقط .. ولكن تعالوا معي إلى الوراء .. في مشهد (فلاش باك ) على أسلوب الأفلام لنعرف ماذا كان من أبي جهل :
جاء في مسند أحمد في الحديث الذي صححه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله عن ابن عباس أنه قال :

لَمَّا مَرِضَ أبو طالبٍ دخل عليه رَهْطٌ من قُريشٍ منهم أبو جهلٍ فقالوا : يا أبا طالبٍ ابنُ أخيكَ يَشْتُمُ آلهتَنَا يقولُ ويقولُ ويفعلُ ويفعلُ فأَرْسِلْ إليهِ فانْهَه قال : فأَرْسَلَ إليهِ أبو طالبٍ وكان قُرْبَ أبي طالبٍ موضعُ رَجُلٍ فخَشِيَ إن دخلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على عَمِّهِ أن يكون أَرَقَّ له عليه فَوَثَبَ فجلسَ في ذلك المجلسِ فلمَّا دخل النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لم يجدْ مجلسًا إلا عندَ البابِ فجلسَ فقال أبو طالبٍ : يا ابنَ أَخِي إنَّ قومَك يشكُونَك يزعمونَ أنك تَشْتُمُ آلهتَهم وتقولُ وتقولُ وتفعلُ وتفعلُ فقال : يا عَمِّ إني إنَّما أُريدُهم على كلمةٍ واحدةٍ تَدِينُ لهم بها العَرَبُ وتُؤَدِّي إليهم بها العَجَمُ الجِزْيَةَ قالوا : وما هي نعم وأبيكَ عشرًا قال : لا إلهَ إلا اللهُ قال : فقاموا وهم ينفضون ثيابَهم وهم يقولونَ : { أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيٌء عُجَابٌ } قال : ثم قرأ حتى بلغ { لَمَّايَذُوقُوا عَذَابِ } 
دعونا نخرج من هذه القصة بنظرية أبي جهل في الكلمات ومدلولاتها .. وإنها على عجبها فأراها منطقية لأناس وإن كانوا كفارا فهم صادقون مع أنفسهم فيما يطلبون ولا يلبسون الحق بالباطل ويتخبطون بين الدروب.

إن أبا جهل على الرغم من أن حاله كحال باقي كفار قريش في هذا الزمن .. كانوا يؤمنون بربوبية الله كما أشارت بهذا الكثير من الآيات ومنها ما جاء في سورة لقمان وتحديد الآية (25) وقوله تعالى : ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون.

ومع هذا فإن أبا جهل أيضا كسائر كفار قريش كان يرفض أن يفرد الله بالإلوهية وأن يعبده وحده كما سبق في الحديث برغم من المكاسب التي ربما يعلم هو يقينا أنها ستحقق ولكنه يعلم ماذا يكلفه هذا .. أبو جهل فهم ما وراء هذه الكلمة الواحدة .. كم ستكلفه هذه الكلمة الواحده .. ماذا تكلفه كلمة أحكام بدلا من مبادئ .. عذرا .. أقصد ماذا تكلفه كلمة التوحيد.

نعم في البداية قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم : نعم وأبيك عشرا .. أي ليست كلمة بل عشر كلمات أيضا لو تريد لا كلمة واحدة .. ولكن لما سمعوا الكلمة فهموا .. فهموا أن الكلمات الواضحة التي تحمل بين طياتها عقيدة راسخة هي أكبر من مجرد حروف تتنقل على الألسنة إنها واقع سيتغير .. وأحلام ستتبدل .. ونفوس ستعاند .. وشهوات ستترك .. نعم فهمها أبو جهل وأصحابه .. وللأسف بين أظهرنا من لم يفهمها بعد .. عن الأحكام أم كلمة التوحيد أتحدث ؟ .. لا فارق فالأمر سيان .

انتهى عرض الفيلم التاريخي ونعود الآن لعرض الفيلم الكوميدي المأساوي في هذا الواقع الجديد .. ولنسأل سؤالا .. لماذا استمات الكثير من العلمانيون ورافضي فكرة حاكمية الشريعة بالكلية بل ومن اشتهروا بمواقفهم المعادية من شرع الله على وجود كلمة مبادئ لا كلمة أحكام أو حتى لفظة الشريعة مطلقة ؟ لماذا اتحد المتشاكسون الآن ؟

نعم .. إنهم فهموا ما فهمه أبو جهل .. فهموا أن الأمر أكبر من مجرد كلمة واحدة تحذف أو تبدل .. إنها ليست كلمة ستقال أو ستوضع للتزيين داخل الدستور الجديد .. بل هي كلمة حاكمة مهيمنة .. كلمة ستكون سيفا على رؤوس قوانين تفتح الباب على مصراعيه أمام فتن الشهوات والشبهات .. وحينها ستكسد بضاعتهم وتبور تجارتهم وهنا بيت القصيد .

وعلى الرغم من أن هذا واضح للعيان إلا أننا نجد البعض _ أقول البعض وليس الكثير على سبيل التفاؤل لا أكثر _ من أبناء التيار الإسلامي بل وبعض من يحسبون أنهم من قادته يرضون بهذا الدون والهوان تحت مسمى وزعم أنها كلمة وكأني بأبي جهل يكاد ينفجر ضحكا ولسان حاله يقول أظن أن هناك من هو أحق بلقبي مني .
للأسف الشديد فإن فهم أبي جهل لأهمية الكلمات المحورية غائب عن أذهان الكثير .. بل ومغيب عن عمد من واقع السياسة اليوم وعلى أيدي بعض من كان يحمل بالأمس القريب شعار : الإسلام هو الحل .

ولما غابت أهمية فهم الكلمة .. أو تعمد البعض تغييب هذا الفهم لمصلحة أو أخرى عن جماهير التيار الإسلامي .. رأينا أن من كان دستوره القرآن أصبح يرضي بأي شئ في دستوره .. ومن كان يرى أن الإسلام هو الحل لم يعد لديه مشكلة أن يكون الربا هو الحل .. ومن كان يتوعد اليهود في كل مناسبة هاتفا ( خيبر خيبر يا يهود .. جيش محمد سوف يعود ) .. أصبح يرى أن طمأنتهم وإعادة التعاون معهم أمر روتيني ولين الكلام بروتوكول مطلوب .. ولسان حال شبابهم ( لو حضرتك تقدر الأمور على بعضيها هتلاقي إن قدام فيه مبررات تبقى مبررة .. لكن مش مبررة ما فيش مبررات .. حضرتك قولي إيه الي مش مبرر .. مش مبررة ؟ .. لا مبررة ) مع الاعتذار لأحمد شفيق .

وعودة إلى موضوعنا فإن من هذا المنظور عزيزي القارئ أرجوك أن تتأمل معركة الدستور .. أن تعيد التفكير في الأمر وفق هذا المفهوم الخطير. أن تفهم استماتة وتجمع وتكالب كل من اشتهر بمعاداة الدين أو على أفضل حال عدم الاهتمام بحاكميته على أن تكون كلمة المبادئ هي أقصى ما يحلم به من يريد هذا الدين في بلادنا .. أن تستوعب أن كل هذا لأنهم أدركوا أن الأمر أكبر من مجرد كلمة .. الأمر قانون مختلف .. لا تجعلوا الأجيال القادمة تضحك من سذاجتنا .. بل لا تجعلوا أبناءنا كلما حاولوا قراءة الدستور الجديد يخيل إليهم أن أبا جهل يضحك علينا وعليهم ساخرا من بين السطور .



تجربة قديمة جديدة .. وبداية نرجوها سعيدة


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه عودة بعد سنين إلى المدونات الإلكترونية بعد تجربة قصيرة منذ بضع سنوات ولكل غياب سبب ولكل عودة سبب أيضا.
دعونا نتكلم عن سبب العودة فأقول :
إن الحاجة الملحة الآن لعرض بعض وجهات النظر لتوضيح بعض الأمور لم تعد من قبيل الطرف الفكري أو المباهاة بالبراعة في الكتابة _ إن وجدت _ وإنما قد تكون ضرورة ملحة في بعض الأحيان وفرض في أحيان أخرى إذا لم يعرض البعض ما تعرض خصوصا في عصر التباس المفاهيم واهتزاز الصفوف وغربة الدين حتى بين من كانوا يحسبون منذ سنين هم أهله وخاصته .

وأمام إلحاح بعض من أثق بهم على عرض الأفكار بشكل مفصل لا تحتمله تغريدات (تويتر) أو مناقشات فردية جانبية .. كانت هذه التجربة التي لا زال في النفس شئ منها ولكن نسأل الله السلامة والتيسير.

ومعذرة مقدما على غلق باب التعليقات فإني أفضل ذلك في البداية لعوامل كثيرة أهمها أن ما أعرضه بعض مما توصل إليه ذهني وليست المدونات مجالا للمناظرات الفكرية أو الدينية بل إن ذلك ربما أدى إلى تشوه الحق وضياع الفائدة وسط النقاش.



لذلك فأبدأ بحمد الله في هذه المدونة منذ اليوم وسأحاول أن أكتب بها بشكل منتظم كلما طرأت للذهن كلمات أحتاج أن يعرضها على الناس لعله ينتفع بها أحدهم ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه .



نسأل الله أن يجعل كل عملنا صالحا وأن يجعله لوجهه خالصا وألا يجعل لأحد غيره فيه شيئا