هجوم .. هجوم .. هجوم ..
هذا ما يلقاه كل إسلامي حينما يطالع وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها واتجاهاتها .. هجوم على التيار الإسلامي بصفة عامة وبالطبع يطوله هذا بصفة خاصة كإسلامي ( وهي كلمة لا أحبذها وإن حصرونا فيها ) .. وربما امتد الهجوم إلى شخصه وربما إلى شكله ومظهره وربما إلى أمه وأبيه أحيانا !
فإنه إذا طالع الصحف والجرائد وجد كم من الأخبار التي تلفق في أغلبها أو تصاغ بشكل يطمس الحقيقة هدفها فقط التشويه والهجوم على كل ما يحمل صبغة الإسلام .. فإذا ابتعد عن الأخبار وجد كل من أوتي عمودا للرأي ( ولسان حاله القاروني إنما أوتيته على علم عندي ) يأكل لحمه على أسلوب الضباع فربما سخر من شكله ووزنه ( حدث بالفعل ) قبل شخصيته وأفعاله ثم ختم مقاله بعدم تفهم الإسلاميين الرجعيين للنقد البناء ! .. فإذا تحول منها إلى وسائل الإعلام وجد دينه ومنهجه وجبة على مائدة اللئام وياليتهم يتكلمون بحق فيقول لهم شاكرا : رحم الله امرئ أهدى إلى عيوبي وإنما أباطيل في غالبها تجعل الصدر يضيق والقلب يحزن .
وإذا جاء لشبكات التواصل الإجتماعي فإنه يلاقي الأمرين .. يبدأ الأمر باعتراض واختلاف في وجهات النظر مقبول .. ثم يمر بالحدة والعصبية عليه دائما ومحاولة تحميله كافة أخطاء البشرية من لدن آدم إلى الآن .. محاولات إرهاب فكرية كلما فتح فاه ليقول قال الله .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. لا تتحدث باسم الدين .. هذا فهم الأرضيين .. مادخل الدين بما نحن فيه ؟ .. إنتوا هتكفرونا ؟ .. وينتهى الحال أحيانا بسبه بأقذع الألفاظ وربما طال الأمر أباه وأمه .. وإنا لله وإنا إليه راجعون .
كل هذا كفيل بأن يضيق الصدرلملاقاته وأن يحزن القلب _ وهو في الغالب مراد هؤلاء من هذه الأساليب التي هي أبعد ما تكون عن النقد البناء أو اختلاف الرأي _ .. كفيل بأن يجعل القلب في حزن وكمد وغيظ .. ربما أخذ هذا الأمر منه وقته وأعصابه وشتت عليه قلبه .. فتفرق همه عند العمل .. وضاق صدره عند الكلام وثارت أعصابه لأقل شئ وربما مع ذلك فقد أبجديات أسلوب الدعوة أو حاد عن طريق الصراط تحت الضغوط الكبيرة .. ولكن .. ضمد الله كل هذه الجراح بآية !!
نعم .. آية واحدة من كتاب الله تضمد جراحك وأنت تقابل كل هذا الهجوم .. آية من الكتاب المعجز .. من كلام الله .. ومن أحسن من الله قيلا .
إنه الله القائل في كتابه :
( فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون )
يا الله .. بالله عليك تأمل الآية مرة أخرى .. مررها على قلبك .. تذوقها بحسك .. استشعر معناها العميق جدا .. إنها ربتة إلهية لفظية لطيفة على قلبك تقول لك ( فلا يحزنك قولهم ) .. هل استشعرت لطف الله بك وحبه لك في هذه الكلمات التي خاطب الله بها ابتداء نبيك الكريم صلى الله عليه وسلم ؟ .. هل تأملت فيض الود الرباني في هذه الكلمات المعجزة .. إنه الله .. يقول لك وسط هذا الصخب ووسط هذا الهجوم الضاري .. لا تحزن .. لا تبتئس .. لا تكتئب .. لا تنهزم أمام كل هذه المشاعر السلبية التي تصدر لك عن عمد .. وتأتي باقي الآية لتجيب على السؤال الذي قد يطرأ عليك .. وكيف لا أحزن أمام كل هذا ؟.
ولا تقل روعة باقى الآية وإعجازها عن أولها .. لا تحزن لأن الله يعلم ما يسرون ولا يعلنون .
لا تحزن فالعليم الخبير الحكيم يعلم كل هذا فاطمئن أن كل ما يجري يجرى لمقتضى حكمته ولشئ أراده ولأمور علمها عنده ومردها إليه .
لا تحزن فالجبار المنتقم يعلم كل هذا فاطمئن فإنه قادر على البطش بالظالمين والأخذ بهم وإنزال العقاب بهم وإن أمهلهم فترة من الزمان .
لا تحزن فالرحمن الرحيم يعلم كل هذا فاطمئن فرحمته ستشملك وستغمرك وستريحك من هذا العناء إذا أشبعت قلبك هذا الإيمان الجارف بمعيته وصحبته.
والأمر الأعظم أنه يعلم ما يسرون قبل ما يعلنون .. فهو يعلم ما خفي عليك أنت منهم وربما هو أخطر مما تعلم .. ومع ذلك فهو محيط به مطلع عليه .. إنها طمأنة ربانية كبرى أنك تركن إلى القوي العلي العظيم .. عالم الغيب والشهادة .. من أحاط بكل شئ علما .
بهذه الآية الواحدة فقط تضمد الجراح .. وتنسى كل الإساءات والانتقاصات ..بتذوق الكلمات .. بتدبرها .. باستشعار المعية الإلهية واللجوء إلى رب البرية .. حينها تجد هموم جراحات ما يحدثه في قلبك أهل الأرض تزول حينما يتصل هذا القلب بالسماء .. ينهل من وحي الله .. يستشعر مخاطبة الله له .. ويتأمل لطفه وكرمه .. فينطق لسان الحال والمقال .. إن لم يكن بك غضب على فلا أبالي .. إن لم يكن بك غضب على فلا أبالي .. لا أبالي .
هذا يقودنا إلى أصل مهم .. كم تعرض قلبك على القرآن ؟ .. كم تدخل إلى محراب الألفاظ الإلهية وتحتمي به ؟
إن مصدر الذعر الرئيسي والقلق والاضطراب الذي يصيبنا من الأحداث الجارية سببه أننا نعرض قلبنا على الأخبار والمناقشات والسجالات في وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها أكثر مما نعرضه على القرآن . والحل في ذلك ليس إلا بعكس الأمر وحينها سيتبدل الحال ويثبت القلب ويشرق نور الوحي في ظلام التيه .
يقول سيد قطب في مقدمة كتابه ( في ظلال القرآن ) :
" ومن ثم عشت - في ظلال القرآن - هادئ النفس ، مطمئن السريرة ، قرير الضمير . . عشت أرى يد الله في كل حادث وفي كل أمر . عشت في كنف الله وفي رعايته . عشت أستشعر إيجابية صفاته تعالى وفاعليتها . . أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ؟ . . وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير . . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون . . واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه . . فعال لما يريد . . ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه . إن الله بالغ أمره . . ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها . . أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه . . ومن يهن الله فما له من مكرم . . ومن يضلل الله فما له من هاد "
أخي الكريم .. أختي الكريمة .. عودوا إلى مصاحفكم .. فإن قلوبكم تبكي البعاد دما وإن لم تسمعوا البكاء ولم تروا الدموع !